بادئ ذي بدء، يجب أن نسلم بأهمية دور الترجمة كأداة لنمو المعرفة
الإنسانية عبر تعزيز التواصل بين الشعوب المختلفة لغويًا، ونقل التراث
الفكري بين الأمم، وبدونها لا يمكن الانفتاح على الآخر ولا معرفته بقصد
التعايش معه، فهي بمثابة البرق الكاشف والضوء الهادي للحقائق«أن تكون
مترجمًا مهمًا أفضل من أن تكون روائيًا سيئًا» ― صالح علماني.
بادئ ذي بدء، يجب أن نسلم بأهمية دور الترجمة كأداة لنمو المعرفة
الإنسانية عبر تعزيز التواصل بين الشعوب المختلفة لغويًا، ونقل التراث
الفكري بين الأمم، وبدونها لا يمكن الانفتاح على الآخر ولا معرفته بقصد
التعايش معه، فهي بمثابة البرق الكاشف والضوء الهادي للحقائق التي قد
تكون مدهشة عن الآخر.
وعليه، يُعد المترجم هو جسر التواصل بين الثقافات المختلفة، من خلال
ممارسته لفنّ تحويل النص المكتوب من لغته الأصلية إلى لغة أخرى، مع ضبط
الصياغة وبنية الجمل والقواعد اللغوية، والحفاظ على روح النص ومضمونه
وأفكاره.
ومن أبرز فرسان الترجمة إلى العربية، الراحل العظيم «صالح علماني»، صاحب
أشهر ترجمة لرواية «مائة عام من العزلة»، بعد أن سخّر قلمه لخدمة القارئ
العربي، ليظل طيفه يلاحق كل من قرأ ترجماته للأبد، بعدما فتح للقارئ
العربي آفاق رحبة على الأدب اللاتيني.
من هو سامي الدروبي – Sami Al Droubi؟
المترجم الراحل «صالح علماني»
أدب اللاتينية إلى القارئ العربي
ما إن تذكر للقارئ العربي اسماء روايات: «الحب في زمن الكوليرا» أو «حفلة
التيس» أو «انقطاعات الموت» أو «كالماء للشوكولاتة» أو «ساعي بريد
نيرودا»، وكتب «المرايا» أو «كرة القدم بين الشمس والظل» أو «رسائل إلى
روائي شاب» حتى يذكر بالتبعية اسم مترجمها وناقلها للعربية المترجم الفذّ
«صالح علماني».
كتاب مرايا: عندما يجتمع تاريخ العالم بين طيات كتاب!
لقد أمضى «صالح علماني» -الذي غيبه الموت صباح يوم الثلاثاء، الموافق 3
ديسمبر عن عمر يناهز السبعين عامًا بمقر إقامته في إسبانيا، أكثر من
ثلاثين عامًا في ترجمة الأدب اللاتيني للعربية.
فعرف القارئ العربي على أدب أمريكا اللاتينية وإسبانيا الذي كان مجهولًا
له، فنُشرت ترجماته التي تجاوزت المائة كتاب ما بين رواية وقصة وشعر في
العديد من البلدان العربية، ليصبح أحد أكثر المترجمين العرب غزارةً في
الإنتاج.
فتُعد ترجمات «صالح علماني» جسرًا مهمًا لوصول الأدب اللاتيني إلى القراء
العرب، حتى أصبح اسمه لا يقل أهمية عن كاتب الرواية المترجمة ذاتها، حتى
أنه يومًا وصف حياته بعبارة «عشت لأترجم» على غرار عنوان كتاب «عشت
لأروي» الذي حمل مذكرات «ماركيز».
ترجم «صالح علماني» ما يزيد عن مئة عمل عن الإسبانية.
مترجم فذ لخيارات نوعية
كانت اختيارات الرجل ذهبية فيما يترجم، يختار كتبه بعناية شديدة، ويمتلك
سحر البيان وتلابيب اللغة ومهارة الصياغة ونقل روح النص الأصلي، ويعود
الفضل إليه في ترجمة عشرات الروايات التي شكّلت ما تُعرف بـ «موجة
الواقعية السحرية».
تخصص «صالح علماني» منذ أواخر السبعينيات في ترجمة الأدب الأمريكي
اللاتيني، وذلكَ مع صعود تيار الرواية اللاتينية وبروزها عالميًا، فارتبط
اسمه بترجمات روائع نتاجات كبار كتاب الرواية اللاتينية.
فبدأ مسيرته من خلال تعريبه لرواية «ليس للكولونيل من يكاتبه» لتلتقطها
أيادي القراء والنقاد بحفاوة كبيرة، ويثنون عليها ثناءً حسن، لتتوالى
فيما بعد ترجماته، ويلمس نجومية كبيرة في الأوساط الثقافية.
غابرييل خوسيه غارسيا الذي لفت أنظار العالم إلى أدب أمريكا اللاتينية
ويقدم لنا تراجم متميزة لأعمال أعظم الكُتّاب والمؤلفين، من أمثال:
«جابرييل جارسيا ماركيز، وماريو بارجاس يوسا، وإيزابيل الليندي،
وجيوكوندا بيللي، وإدواردو غاليانو، وخوسيه ساراماغو، وبابلو نيرودا».
صالح علماني من دمشق إلى إسبانيا
وُلد «صالح علماني» عام 1949 في مدينة حمص في سوريا، وتعود جذوره
لفلسطين. درسَ في وقتٍ لاحقٍ الطب؛ لكنّه انقطع عن دراسة الطب في إسبانيا
نهاية الستينيات؛ ليتحول لدراسةِ الصحافة ثم الأدب اللاتيني والترجمة من
اللغة الإسبانية.
ثم بدأ عملهُ في وكالة الأنباء الفلسطينية، وبعدها انتقل ليعمل مُترجمًا
في السفارة الكوبية بدمشق، وبعدها ترجم أول رواية له، وهي: «ليس
للكولونيل من يكاتبه» لكاتبها «جابرييل جارسيا ماركيز» لتتوالى ترجماته،
ويحقق شهرة وانتشار كبير.
أثناء ذلك تقلد عدة مناصب بمديرية التأليف والترجمة بوزارة الثقافة
السورية، والهيئة العامة السورية للكتاب، حتى وصوله سنَّ التقاعد عام
2009.
وبعد حدوث الأزمة السورية، تعالت أصوات مجموعة أبرز كتّاب وأدباء أمريكا
اللاتينية لمطالبة الحكومة الإسبانية منح «صالح علماني» وعائلته حق
الإقامة بعد نزوحه من سوريا، تكريمًا له على دوره في نقل الأدب اللاتيني
إلى العربية، وهو ما حصلَ وتحقق بالفعل.
حصلَ «علماني» عام 2014 على وسام الثقافة والعلوم والفنون من الرئيس
الفلسطيني «محمود عباس»، وعلى على جائزة «جيرار دي كريمونا» للترجمة عام
2015، وفي نفس العام كرمه اتحاد الأدباء والكتاب العرب في المغرب، كما
نال جائزة «الملك عبد الله بن عبدالعزيز الدولية» للترجمة عام 2016، وقام
المركز القومي للترجمة في مصر بتكريمه عام 2017.
اترك تعليقا: